المشاكل الاقتصادية في سوريا: لا حلّ في الأفق

جهاد يازجي [[email protected]], 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

تشير معظم تقديرات التكلفة الاقتصادية للحرب السورية إلى قيمة إجمالية تبلغ حوالي 250 مليار دولار أميركي، وذلك بحلول  نهاية عام 2015. ويشمل هذا التقدير التكاليف المباشرة للدمار، أي كلفة إعادة إعمار ما تمّ تدميره، كالمباني السكنية والمصانع وآلاتها ومحطات توليد الكهرباء وآبار النفط وغيرها من البنى التحتية، إضافة  إلى إ التكاليف غير المباشرة أي ما فقده الاقتصاد السوري من حيث الناتج الاقتصادي.

 

ومن المتوقَّع مرور عدة أشهر، إن لم يكن سنوات، قبل انتهاء الحرب بشكل فعلي؛ أي أنه من المتوقع أن تواجه سوريا تكلفة حرب أعلى من 300 مليار دولار أميركي، وهو ما يعادل حوالي ستة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي في سوريا في عام 2010، العام الذي سبق الحراك.

 

بالإضافة إلى ذلك، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 27 مليار دولار أميركي،[1] وذلك من 55 مليار دولار أميركي في العام 2010. ولم تنشر الحكومة أي بيانات تتعلق بالاقتصاد الكلّي منذ العام 2011، مما يزيد  من صعوبة الحصول على أرقام دقيقة. وتأتي غالبية الأرقام الواردة في هذا المقال من ثلاثة تقارير منفصلة عن وضع الاقتصاد السوري والتي تمّ نشرها خلال عام 2016 من قبل صندوق النقد الدولي[2] والمركز السوري لبحوث السياسات[3] ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).[4]

 

قبل نشوب الحرب، كانت سوريا تتمتع بأحد الاقتصادات الأكثر تنوعًا في منطقة الشرق الأوسط. ساهمت الزراعة فيها بحوالي 20%ة من الناتج الاقتصادي، كذلك الطاقة والتجارة ، فيما تراوحت مساهمة عدد من القطاعات الأخرى ما بين 5% و 15%، وتشمل  قطاعات البناء والتمويل والنقل والصناعات التحويلية.[5] كما كان قطاع السياحة يشهد نموًا ملحوظا وقد مثّل مصدرًا مهمًا وبشكل متزايد لعائدات العملة الأجنبية، مما كان يساعد في الحدّ من الاعتماد على صادرات النفط.

 

إلا أنّ هيكلية الناتج المحلي الإجمالي قد تغيرت اليوم؛ فقد أدى تدمير غالبية القطاعات الاقتصادية إلى زيادة  نسبية  في حصة الزراعة من الناتج المحل والتي أصبحت تمثّل  نحو ربع الناتج الإجمالي ، كذلك  زادت الحصة النسبية للنفقات الحكومية في الناتج المحلي..

 

وفي حين شهد الإنتاج الزراعي انخفاضًا في السنوات الخمس الأخيرة، شهدت قطاعات أخرى تقلّصًا بوتيرة أسرع ، وهو ما يفسّر ارتفاع حصة الزراعة (كنسبة)  من الناتج المحلي الإجمالي. إنّ الحجم المتزايد نسبيًا للزراعة يحمل في طياته مخاطر وذلك بسبب اعتماد القطاع بدرجة كبيرة على معدلات هطول الأمطار؛ فسنة واحدة من شحّ الأمطار من شأنها أن تقلّل من الإنتاج وأن تؤدي إلى مزيد من النزوح من الريف إلى المدينة وإلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية في الأسواق المحلية.

 

أما في ما يتعلق بالقطاع العام، فإنه يستخدم اليوم حوالي 50% من اليد العاملة السورية، ممّا يشكّل ارتفاعًا من حوالي 25% في العام 2010؛ ويعكس ذلك  موجات  تسريحات واسعة النطاق للعمال من الشركات التي خرجت من السوق أو التي قلصت أعمالها. ومع ذلك، تشكل رواتب موظفي القطاع العام بندا كبيرا في نفقات الحكومة خارج نطاق النفقات العسكرية.  وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد شهدت  الاستثمارات الحكومية هبوطًا إلى 98 مليون دولار أميركي، مما يعادل 2.3% من الميزانية، وذلك بعد أن كانت تشكل ثلث الميزانية في العام 2010.

 

كما كان للدمار تأثيرًا كبيرًا على ميزان المدفوعات واحتياطي العملات الأجنبية، مما أدى إلى زيادة حاجة البلاد إلى المساعدات الخارجية. وقد انخفضت مخزونات المصرف المركزي للأصول الأجنبية من 20 مليار دولار أميركي إلى أقل من مليار دولار أميركي واحد، فيما وصل عجز ميزان المدفوعات إلى 4.1 مليار دولار أميركي مقارنة مع فائض بقيمة 3.3 مليار دولار أميركي في العام 2010.

 

بالتوازي مع هذه التطورات، أدّى فقدان سيادة الدولة لأنحاء البلاد الشرقية والشمالية الشرقية إلى خسارتها إمكانية الوصول إلى الموارد المتواجدة في تلك المناطق. ونتيجة لذلك، فهي مضطرة لاستيراد المنتجات التي كانت تنتجها وتصدّرها سابقًا، مثل النفط، المستورد من إيران، والقمح، الذي يتم شراؤه من روسيا. كما اضطرت الحكومة إلى الاعتماد على القروض الإيرانية بشكل خاص لتمويل كافة هذه الواردات الرئيسية.

 

حاليًا، تشكّل مساعدات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية المصادر الرئيسية لإيرادات العملة الأجنبية والمقدرة بحوالي مليار دولار أميركي واحد، فيما تقدّر تحويلات المغتربين، الذين غادر قسم كبير منهم بسبب الحرب، بحوالي 1.2 مليار دولار أميركي. ومن سخرية القدر إذًا، أن تساهم المساعدات الإنسانية والمغتربين في خلق أرقام إيجابية نادرة في الاقتصاد السوري، وهم في نفس الوقت اثنين من عواقب الحرب.  

 

وتأتي، أخيرًا وليس آخرًا، العواقب الاجتماعية للحرب بحيث تُقدّر نسبة البطالة بشكل صاعق بحوالي 60% من القوى العاملة، فيما يؤثر الفقر على أكثر من 85% من السكان. وقد دمر الارتفاع الملحوظ في الأسعار، وذلك جزئيًا نتيجة لانخفاض قيمة الليرة السورية، القوة الشرائية للشعب السوري. منذ عام 2011، شهد الدولار تضاعف قيمته بنسبة عشرة مرات في سوق الفوركس السوري، أي من 47 إلى نحو 540 ليرة. وقد انخفض متوسط الأجور، للقلة التي ما زال لديها وظيفة، من 200 دولار أميركي إلى 60 دولار أميركي اليوم.

 

ولا تبعث صورة المستقبل القريب على أي أمل؛ فمن المتوقع أن يتجه الناتج المحلي الإجمالي إلى المزيد من الانخفاض بنسبة 6.5% و5% هذا العام والعام التالي على التوالي.

 

لذلك، وبغض النظر عن نظرتنا إلى الوضع في سوريا، فإن الصورة قاتمة للغاية. ويبقى الحل المجدي الوحيد لوقف انهيار البلاد هو إنهاء الحرب؛ والذي من غير المرجّح أن يحدث في القريب العاجل.   

 

[1] سوريا: خمس سنوات في خضم الحرب. الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، ]على الانترنت[. 2016. متوفر على الرابط https://www.unescwa.org/ar/publications/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AE%D9%85%D8%B3-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AE%D8%B6%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8

[2] Gobat, Jeanne. Kostial, Kristina. ورقة عمل صندوق النقد الدولي، Syria’s Conflict Economy. صندوق النقد الدولي، ]على الانترنت[. حزيران/يونيو 2016. متوفر على الرابط https://www.imf.org/external/pubs/ft/wp/2016/wp16123.pdf

[3] سوريا مواجهة التشظي، تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015. المركز السوري لبحوث السياسات، ]على الانترنت[. شباط/فبراير 2016. متوفر على الرابط http://scpr-syria.org/publications-ar/%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9/%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%B8%D9%8A/?lang=ar

[4] سوريا: خمس سنوات في خضم الحرب.

[5] المجموعة الإحصائية. المكتب المركزي للإحصاء (سوريا)، ]على الانترنت[، 2011. متوفر على http://www.cbssyr.sy/yearbook.htm  

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


جهاد يازجي ​مؤسس ورئيس تحرير تقرير سوريا The Syria Report، وهي نشرة على الانترنت تغطي الشؤون الاقتصادية السورية منذ عام 2001. وقد كتب على نطاق واسع عن الاقتصاد السوري، وقدم البحوث والخدمات الاستشارية للشركات والمنظمات الإقليمية والدولية.​

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

جهاد يازجي [editor@syria-report.com] جهاد يازجي [[email protected]]

الأكثر قراءة