التجارة


 

لم تؤدِّ التجارة حتى الآن دورها المرتقب في تعزيز النمو والتنمية المستدامين في المنطقة العربية مقارنةً بمناطق أخرى في العالم. ولا يزال الطريق طويلاً أمام غالبية الدول العربية لتطوير البنية التحتية واللوجستية للتجارة وحصد فوائد التجارة في الخدمات والتجارة الرقمية.

 

وفي الوقت الذي تبنّت فيه بعض الدول العربية سياسات تجارية منفتحة مع مؤشّر انفتاح تجاري (يقاس كمعدّل إجمالي التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي) تراوح بين 223.12 في المئة في جزر القمر و 166.57 في الإمارات العربية المتحدة عام 2020، فإنّ دولاً أخرى بقيت منغلقة نسبياً مع معدّل بلغ حوالي 2.7 في المئة في السودان عام 2022. وفي حين سجّل الإنفتاح التجاري العالمي نسبة 56.52 في المئة في عام 2021[1]، فإنّ المقارنة مع التجمعات الإقليمية الأخرى من خلال الإعتماد على المتوسط الإقليمي أمر مضلّل لأنّ المؤشّر يتأثّر بشدّة بحجم الإقتصادات ويأخذ بعين الإعتبار تجارة السلع والخدمات. في المنطقة العربية، تشكّل تجارة السلع، لاسيما النفط، نسبة كبيرة من مؤشّر الانفتاح التجاري، في حين تلعب الخدمات دوراً محدوداً. وتبلغ نسبة الإنفتاح التجاري في المنطقة العربية 80.56 في المئة عام 2022، غير أنّه كان من المفترض أن يكون المؤشر أعلى من ذلك نظراً لصغر حجم الاقتصادات العربية.[1]

 

وتتأثّر التجارة في المنطقة العربية بشكلٍ كبير بسوق النفط، حيث شكّلت صادرات النفط في المتوسّط 67.97 في المئة من إجمالي صادرات السلع مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 11.62 في المئة عام 2021 .[1] جميع الدول العربية هي بلدان مستوردة صافية للأغذية على الرغم من أنّ الواردات الغذائية لا تشكّل سوى 12.03 في المئة من إجمالي الواردات (عام 2021)، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 8.43 في المئة.[1] وعلى الرغم من الإمكانيات الكامنة والغير المستغلّة التي تمتلكها البلدان العربية في مجال تجارة الخدمات (مثل السياحة والنقل)، فإنّ تجارة الخدمات لم تشكّل حصّة كبيرة من تجارتها. وتشير الاحصاءات إلى أنّ تجارة السلع كانت مهيمنة في معظم الدول العربية كما هو موضّح أعلاه وفقاً لمؤشرات الانفتاح التجاري.  والدول العربية ليست منخرطة بشكلٍ كبير في سلاسل القيمة العالمية.[2] كما أن الإندماج المحدود للاقتصادات العربية في سلسلة القيمة العالمية (والذي يقاس بشكل أساسي بالتبادل التجاري في السلع الوسيطة)[3]، والغياب النسبي لسلسلة قيمة إقليمية عربية، يدعو إلى ضرورة إعتماد نظام جديد في ضوء تعطّل سلاسل القيمة العالمية التي حدثت نتيجة لتأثير جائحة كوفيد19-.

 

تنتسب البلدان العربية إلى عضوية العديد من اتفاقيات التجارة التفضيلية (PTAs)، سواء فيما بينها (على سبيل المثال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إتفاقية أغادير، مجلس التعاون الخليجي، إتحاد المغرب العربي) أو مع البلدان المتقدّمة والنامية والمجموعات الإقليمية (على سبيل المثال الإتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، والسوق المشتركة لشرق أفريقيا والجنوب الأفريقي COMESA، والسوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي MERCOSUR).[4] وفي هذا الصدد، هناك تفاوت كبير بين البلدان العربية، حيث أن الأردن، على سبيل المثال، عضو في عدد كبير من إتفاقيات التجارة التفضيلية مقارنة بجزر القمر واليمن التي تشارك بعدد قليل جدًا من هذه الإتفاقيات. ورغم ذلك، فإنّ أغلب هذه الاتفاقيات ظلّت مقتصرة على إزالة التعريفات الجمركية، ولم تتعامل مع قضايا التدابير القائمة وراء الحدود. وهذا يمكن أن يفسّر الدور المحدود لإتفاقيات التجارة التفضيلية في تعزيز التجارة بين الدول العربية.

 

ومن المرجّح أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة ـكوفيد-19، والأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، أدت إلى الحدّ من دور التجارة في المنطقة العربية، لاسيما بسبب ضعف تأثيرها على الطلب على النفط، ولكن أيضًا لأسباب تتعلّق بتدابير الإغلاق والتباطؤ في التجارة نتيجة الركود الإقتصادي العالمي. وعلى الرغم من أنّ البلدان العربية هي بلدان مستوردة صافية للأغذية، فإنّ اضطراب الأسواق العالمية يؤثّر سلبًا على صناعاتها المحليّة. فعلى سبيل المثال، ونتيجة لتعطّل الأسواق العالمية، فرضت مصر حظراً على واردات السكّر الأبيض والسكّر الخام لمدّة ثلاثة أشهر بدءاً من 6 حزيران 2020.[5] والأسباب التي أعلنتها وزيرة التجارة والصناعة هي إنخفاض الأسعار العالمية (بسبب كوفيد-19) التي أثرّت سلباً على الصناعة المحليّة. هذا على الرغم من كون مصر مستورد صافٍ للسكّر. فيما في مارس 2023، أعلن وزير التجارة والصناعة عن حظر تصدير جميع أنواع السكر لمدة ثلاثة أشهر باستثناء الكميات التي تزيد عن احتياجات السوق المحلية.[6] ومن المرجّح أن تحذو دول أخرى حذوها باتّخاذ تدابير حماية تجارية مخصّصة مستوحاة من التقلّبات المستمرة في الأسواق العالمية.

 

وبالإضافة إلى عدم الإستقرار الذي يحيط تجارة السلع في البلدان العربية، فإنّ تجارة الخدمات هي أيضاً عرضة لتأثير سلبي. تتعرّض السياحة مثلاً، والتي تعدّ نشاطاً اقتصادياً رئيسياً في عدد من الدول العربية، لضربات قاسية.[7] فالسياحة مصدر رئيسي للعملات الأجنبية والعمالة لعدد كبير من الدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية (موسم الحج والعمرة)؛ والمغرب وتونس ومصر والإمارات العربية المتحدة ولبنان (أنواع مختلفة من السياحة). ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة من قاعدة بيانات الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، مثّلت السياحة في عام 2019 نسبة من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية للدول التي توفرت لها بيانات ما بين 1 و 7.06 مع بعض التفاوت بين الدول.[8]

 

ومن المهمّ التأكيد على أنّ البلدان العربية بحاجة إلى الاستثمار في لوجستيات التجارة. إذ تفيد المؤشرات المتاحة (مثل مؤشر التبادل التجاري عبر الحدود في تقرير Doing Business "ممارسة أنشطة الأعمال") أنّ الدول العربية أمامها طريق طويل لإصلاح نظمها التجارية القائمة. وقد وضع مؤشر "ممارسة الأعمال" (2020) الدول العربية كمعدّل متوسطي في المرتبة 118 من إجمالي 190 دولة في جميع أنحاء العالم، في حين صنّفت ثلاث دول عربية من بين أسوأ خمس دول من حيث الأداء عالمياً. وعند التركيز على المؤشر المرتبط بالتجارة على وجه التحديد، لاسيما التجارة عبر الحدود، فإنّ الترتيب يتراجع إلى 127 في المتوسط بين 190 دولة في مختلف أنحاء العالم مع تصنيف دولتين عربيتين من بين أسوأ خمس دول من حيث الأداء.[9]

 

ويتعيّن على الدول العربية أن تولي المزيد من الاهتمام للتجارة الرقمية نظراً للدور المتوقّع الذي من المرجّح أن تلعبه في فترة ما بعد جائحة كوفيد-19 لا سيما مع الدور المركزي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات والبنية التحتية الرقمية التي تنمو عليها.[10] ولكن هناك حاجة إلى بذل جهود إضافية لرفع مستوى الخدمات ذات الصلة [11] لضمان الجهوزية للتجارة الإلكترونية. وفقًا لمؤشر نضج الخدمات الإلكترونية والمتنقلة الحكومية (GEMS-2022) الصادر عن الإسكوا، لا تزال بعض القطاعات مثل التجارة والصناعة والسياحة بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لرقمنة خدماتها. [12]

 

 

 

تمّ تحديث هذه اللمحة العامة  استنادًا إلى أحدث البيانات المتاحة في آب/ أغسطس 2023.

المصادر:
[1] البنك الدولي. 2023. مؤشرات التنمية العالمية]اونلاين]  متوفر على: https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators/preview/on [تم الدخول 8  آب/ أغسطس 2023].
[2] لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا). 2017.  النقل والاتصال بسلاسل القيمة العالمية: أمثلة من المنطقة العربية. [اونلاين]  متوفر على: https://www.unescwa.org/publications/transport-connectivity-global-value-chains [تم الدخول 24  تشرين الثاني 2020].
[3] منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. 2015. مشاركة البلدان النامية في سلاسل القيمة العالمية: تبعات السياسات التجارية والسياسات المتعلقة بالتجارة. [اونلاين]  متوفر على:
https://www.oecd.org/countries/gabon/ParticipationDeveloping-Countries-GVCs-Summary-Paper-April-2015.pdf  [تم الدخول 24  تشرين الثاني 2020].
[4] البنك الدولي. 2023. حلول التجارة العالمية المتكاملة]اونلاين] متوفر على: https://wits.worldbank.org/gptad.html  [تم الدخول 13  آب/ أغسطس 2023].
[5] أخبار EG24. كيف يؤثر الحظر على استيراد السكر على الشركات المحلية وأسعار السوق؟ ]اونلاين] متوفر على: https://www.eg24.news/2020/06/how-does-the-ban-on-importing-sugar-affect-local-companies-and-market-prices.html# [تم الدخول 24  تشرين الثاني 2020].

[6] الاهرام اونلاين، مصر. 2023وزير التجارة: مصر تحظر تصدير السكر لمدة ثلاثة أشهر ]اونلاين] متوفر على: https://english.ahram.org.eg/NewsContent/3/12/492245/Business/Economy/Egypt-bans-sugar-exports-for-three-months-Trade-mi.aspx [تم الدخول 13  آب/ أغسطس 2023].
[7] رباح أرزقي و ها نغوين. 2020. فيروس كورونا المستجد يضرب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر قنوات متعددة)، في كتاب من تحرير ريتشارد بالدوين وبياتريس دي ماورو تحت عنوان: لاقتصاد في زمن فيروس كورونا المستجد"، صادر عن منظمة VoxEU.org. منشورات مركز البحوث الاقتصادية والسياسية (CEPR). ]اونلاين] متوفر على: https://voxeu.org/content/economics-time-covid-19-0 [تم الدخول 24  تشرين الثاني 2020].
[8] الامم المتحدة 2023. قاعدة بيانات اهداف التنمية المستدامة [اونلاين] متوفر على: https://unstats.un.org/sdgs/dataportal/database  [تم الدخول 13  آب/ أغسطس 2023].
[9] البنك الدولي. 2023. ممارسة أنشطة الأعمال . ]اونلاين] متوفر على: https://www.worldbank.org/en/businessready/doing-business-legacy     13   [تم الدخول 13  آب/ أغسطس 2023].
[10] الاتحاد الدولي للاتصالات. 2021. التوجهات الرقمية في منطقة الدول العربية 2021. ]اونلاين] متوفر على: https://www.itu.int/dms_pub/itu-d/md/18/rpmarb/c/D18-RPMARB-C-0002!R1!PDF-E.pdf [تم الدخول 13  آب/ أغسطس 2023].
[11] البنك الدولي. 2016. استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمعاملات بين الشركات، 1-7 (الأفضل)]اونلاين] متوفر على: https://tcdata360.worldbank.org/indicators/hf0d27aa9?country=DZA&indicator=3443&countries=BRA&viz=line_chart&years=2013,2016 [تم الدخول 24  تشرين الثاني 2020].
[12]الاسكوا. 2022.تقرير مؤشر نضج الخدمات الإلكترونية الحكومية والمتنقلة (GEMS-2022). ]اونلاين] متوفر على: http://www3.weforum.org/docs/GITR2016/WEF_GITR_Full_Report.pdf [تم الدخول 13  آب/ أغسطس 2023].



اللمحة الإحصائية 2018، التجارة
عرض الكل

أبرز البيانات

عرض الكل

المصادر