الاقتصاد الكلي
تختلف توقعات الاقتصاد الكلي بشكل كبير بين البلدان العربية بسبب عوامل داخلية وخارجية المنشأ تؤثّر على الأداء الاقتصادي للبلدان مع مرور الوقت. ويعتبر الدور الذي يضطلع به النفط والغاز وأثر النزاع المطوّل من بين العوامل الرئيسية التي تقف خلف هذا التباين الحاد في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، بدأ الأثر الخطير لتفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" على الاقتصادات العربية يتجلّى بالفعل. وبحسب "البنك الدولي" (2020 أ)، من المرجح أن يُكلِّف تفشي فيروس كورونا وتدابير الإغلاق ذات الصلة البلدان العربية نحو 3.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي الجماعي، أي ما يساوي 42 مليار دولار أميركي تقريباً.[1]
وبينما تضم المنطقة العربية بلدان توجد فيها أعلى معدلات نمو وأعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، هناك بلدان عربية أخرى سجلت أدنى مستويات على هذا الصعيد. وبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية نحو 6,610 دولار أميركي في عام 2018 بالمقارنة مع متوسط عالمي يصل إلى 11,317 دولار أميركي. إلا أنّ الاختلاف هائل ضمن المنطقة، حيث يعتبر نصيب الفرد من الدخل الوطني الإجمالي في قطر من بين الأعلى في العالم (68,793 دولار أميركي)، بينما تعتبر الصومال الأفقر في العالم (314 دولار أميركي).[2]
وقد لعب النفط والغاز الطبيعي دوراً هاماً في هذا التباين في أنحاء المنطقة وفي تحديد هيكلية الاقتصادات. وفي المتوسط، يُشكل النفط والغاز ما بين 30 و60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية، وتُشكل إيرادات النفط 47 في المئة من الإيرادات المالية الحكومية في اليمن و97 في المئة في العراق، وتتراوح النسبة في بلدان مجلس التعاون بين هذين الرقمين.[3] كما أنّ بلدان مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى السودان، والعراق، وليبيا واليمن، تعتمد بشكلٍ خاص على النفط و/أو الغاز في اقتصاداتها. وتعتبر النسبة المئوية لإيرادات النفط من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية الأعلى في العالم وبلغت في المتوسط 16.9 في المئة بالمقارنة مع متوسط عالمي وصل إلى 1.1 في المئة في 2017، وقد سجّلت هذه النسبة أعلى مستوياتها في الكويت وليبيا والعراق حيث وصلت إلى 35 في المئة.[4]
حتى في الاقتصادات المستوردة للنفط، يؤكّد الأثر غير المباشر للتحويلات المالية الناجم عن الإيرادات النفطية مدى تأثّر غالبية البلدان العربية بإيرادات النفط والغاز، حيث شكّلت تدفقات التحويلات المالية أكثر من 62 مليار دولار أميركي في 2018، فكانت المنطقة العربية من بين الأكبر في العالم على صعيد إرسال التحويلات واستلامها.[5] وتُعزى القيمة المُضافة المسجلة في القطاع الصناعي بشكل رئيسي إلى النفط الغاز في البلدان العربية المصدرة للنفط.[6]
وقد وصل متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المنطقة العربية إلى 2.6 في المئة في عام 2018[7] (من المتوقع أن يصل إلى 2.8 في المئة في عام 2019) بالمقارنة مع متوسط عالمي يصل إلى 3.5 في المئة (من المتوقع أن يصل إلى 2.9 في المئة في عام 2019)، وسجلت ثاني أدنى معدل نمو، بعد أميركا اللاتينية فقط حيث وصل معدّل النمو إلى 1.1 في المئة.[8] ومن المتوقع أن يؤدي الانهيار الذي سُجِّل في أسعار النفط مؤخراً في 2020 إلى تعميق الركود الذي تسبب به كوفيد-19 العالمي في الاقتصادات العربية. وتعتبر توقعات صندوق النقد الدولي للعام 2020 متشائمة للغاية بالنسبة لجميع البلدان العربية، باستثناء مصر وجيبوتي، ومن المتوقع أن تتراوح معدلات النمو السلبية بين 1- في المئة في الكويت و12- في المئة في لبنان، وتصل إلى 58- في المئة في ليبيا.[9]
التفاوت كبير أيضاً على صعيد المالية العامة. فقد وصل متوسط عجز الميزانية إلى 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018 بارتفاع عن 11.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2016.[10] وتكشف آخر الإحصاءات أن البحرين ولبنان والسودان عانت من أكبر عجوزات الميزانية في المنطقة، حيث وصل العجز إلى أكثر من 11 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، بينما تمتعت الكويت وقطر بفائض في الميزانية وصل إلى نحو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه.[8] وكان ذلك يعزى بشكل أساسي إلى الانهيار العالمي في أسعار النفط التي انخفضت أكثر من 60 في المئة لتصل في أدنى مستوياتها إلى 20 دولار أميركي للبرميل الواحد في مارس/آذار 2020 بالمقارنة مع 64 دولار للبرميل في ديسمبر/كانون الأول 2019،[11] بينما يعتبر سعر التوازن لبرميل النفط في بلدان مجلس التعاون اللازم لكي تحقق هذه البلدان التوازن في ميزانياتها 70 دولار للبرميل.[12] وعلى الأرجح ستتسع نسبة العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي كنتيجة للأثر المتزايد لأزمة كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط والنزاعات العنيفة. ومن المتوقع أن يرتفع العجز في لبنان من 10.7- في المئة في عام 2019 إلى 15.3- في المئة في عام 2020، وفي السودان من 10.8- في المئة إلى 16.9- في المئة، بينما من المتوقع أن تعاني البلدان التي كان لديها فائض في الميزانية من عجز حيث ستتحول ميزانيتها من فائض بنسبة 4.8 في المئة إلى عجز بنسبة 11.8- في المئة بالنسبة إلى الكويت بين عامي 2019 و2020.[9] وعلى نحوٍ مشابه، تختلف نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 72 في المئة في لبنان إلى 4 في المئة في السودان في عام 2018.
كما سُجِّلت اختلافات واسعة في الاستثمار الأجنبي المباشر بين البلدان العربية ومع مرور الوقت. مثلاً، كانت الإمارات العربية المتحدة الأولى عربياً في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2018 مع أكثر من 8 مليار دولار أميركي، بينما تعاني اليمن من تدفق سلبي زاد عن 15 مليون دولار أميركي في عام 2018.[2] ومن المرجح أن يؤثر تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي عزّزه أثر كوفيد-19، سلباً على تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أنحاء العالم. ونظراً إلى التركيز المرتفع لهذه الاستثمارات في أنشطة النفط والغاز في المنطقة العربية، لا يمكن تفادي التوقعات بانخفاض حاد لتدفقات هذه الاستثمارات في المنطقة. فمن المتوقع أن تتراجع التدفقات السنوية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 45 في المئة في عام 2020 بالمقارنة مع عام 2019.[1]
هناك فوارق شاسعة في أداء البلدان العربية على صعيد الاقتصاد الكلي، ضمن المنطقة العربية، وكذلك عند مقارنتها بالأداء العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدم يقين كبير يحيط بالبيانات والتقديرات الاقتصادية في البلدان المتأثرة بالنزاعات، نظراً إلى النمو المتوقع في الاقتصاد غير النظامي، والحرب الاقتصادية، وتعطّل عمل الأنظمة الإحصائية الوطنية والمؤسسات العامة في هذه البلدان.
تم تحديث هذه اللمحة العامة من قبل فريق عمل البوابة العربية للتنمية استنادًا إلى أحدث البيانات المتاحة في تموز/يوليو 2020.
المصادر:
[1] الإسكوا (2020ب)، "آثار جائحة كوفيد-19 على الاقتصادات العربية – التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر"، E/ESCWA/2020/Policy Brief 6، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.unescwa.org/sites/www.unescwa.org/files/20-00153-en_impact-covid-19-trade-investment.pdf
[2] https://unctadstat.unctad.org/wds/TableViewer/tableView.aspx
[3] غنيم، أحمد فاروق (2020)، "التوقّعات بشأن أثر فيروس كورونا المستجد على التجارة في البلدان العربية"، البوابة العربية للتنمية، متاح على الرابط الإلكتروني التالي : https://www.arabdevelopmentportal.com/ar/blog/exploring-potential-impact-covid-19-trade-arab-region
[4] https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.PETR.RT.ZS
[5] البنك الدولي (2019)، "ارتفاع قياسي للتحويلات المالية على مستوى العالم في 2018"، بيان صحفي، أبريل/نيسان 2019، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2019/04/08/record-high-remittances-sent-globally-in-2018
[6] https://unctadstat.unctad.org/wds/TableViewer/tableView.aspx
[7] صندوق النقد الدولي، 2019 (أبريل/نيسان). "مستجدات: آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان". https://www.imf.org/en/Publications/REO/MECA/Issues/2019/04/17/reo-menap-cca-0419#stats
[8] صندوق النقد الدولي، قاعدة بيانات التوقعات الاقتصادية العالمية، أبريل/نيسان 2020، https://www.imf.org/external/pubs/ft/weo/2020/01/weodata/index.aspx
[9] https://www.imf.org/en/Publications/REO/MECA/Issues/2020/04/15/regional-economic-outlook-middle-east-central-asia-report
[10] صندوق النقد الدولي، 2019 (أبريل/نيسان). "مستجدات: آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان". https://www.imf.org/en/Publications/REO/MECA/Issues/2019/04/17/reo-menap-cca-0419#stats
[11] https://whbl.com/news/articles/2020/mar/25/oil-majors-slash-2020-spending-18-after-prices-slump/999023/
[12] ديفتيروس، جون (2020)، "لِمَ تنهار أسعار النفط وما يعني ذلك"، "سي إن إن بزنس"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://edition.cnn.com/2020/03/09/business/oil-price-crash-explainer/index.html
اللمحة الإحصائية 2018، الاقتصاد الكلي
أبرز البيانات
-
الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، حسب مماثلات القوة الشرائية (بالأسعار الجارية)، للدول العربية