التوقّعات بشأن أثر فيروس كورونا المستجد على التجارة في البلدان العربية

أحمد غنيم, 07 مايو/أيار 2020

على الرغم من الصدمة غير المسبوقة التي أصابت الاقتصاد العالمي من جراء "فيروس كورونا المستجد" (COVID-19)، لا يزال مدى  الأثر النسبي لهذا الفيروس على البلدان العربية غير واضح. تهدف هذه التدوينة إلى تحديد السِمات المحددة لهذه الصدمة على البلدان العربية، مع تركيز خاص على التوقعات التجارية، وتسعى أيضاً إلى تحديد القنوات التي من المرجّح أن ينتقل عبرها هذا الأثر .

 

تُعتبر علاقة البلدان العربية بالنفط والصدمة التي لحقت بأسواق السلع النفطية من بين العوامل التي ستؤثّر على الطريقة التي ستشهد من خلالها هذه البلدان التبعات الاقتصادية الكارثية لهذه الجائحة. إذ تعتمد البلدان العربية بشكل كبير على أسعار النفط، سواء بشكل مباشر بالنسبة إلى البلدان المُنتجة مثل بلدان الخليج، أو بشكل غير مباشر (مثلاً عبر قناة التحويلات). تجدر الإشارة إلى أنّ 14 بلداً من البلدان الأعضاء في "جامعة الدول العربية" هي من البلدان المنتجة للنفط و/أو الغاز الطبيعي. ويُشكّل النفط والغاز في المتوسط بين 30 و60 في المئة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية. وتشكّل إيرادات النفط 47 في المئة من الإيرادات المالية الحكومية في بلدٍ مثل اليمن، و97 في المئة في بلدٍ مثل العراق، بينما تتراوح هذه النسبة في بلدان الخليج بين هذين الرقمين.[1] وتُشكّل التحويلات شريحة كبيرة من إيرادات النقد الأجنبي في بلدان مثل تونس، والمغرب، ومصر ولبنان. في عام 2018، بلغت التحويلات إلى المنطقة العربية 62 مليار دولار أمريكي، بارتفاع بنسبة 8 في المئة عن عام 2017.[2] وقد أدى تفشي جائحة كورونا إلى انهيار أسعار النفط: انخفضت سلة أسعار "أوبك" اليومية إلى 17.73 دولار للبرميل في 16 أبريل/نيسان، [3] بالمقارنة مع 51.68 دولار في 2 آذار/مارس.[4] كما انخفضت الأسعار بأكثر من 70 في المئة مما كانت عليه في ديسمبر/كانون الأول 2019 حين كانت تبلغ 64 دولار أميركي للبرميل[5] وذلك بسبب الخلافات بين كبار منتجي النفط في العالم بعد تفشّي فيروس كورونا في بداية مارس/آذار 2020.[6] كان سعر النفط الذي يحقق تعادلاً بين التكلفة والربح في بلدان الخليج 70 دولار أمريكي قبل الجائحة وأصبح استمرار ارتفاع الإنفاق بعد ذلك مُرجّحاً.[7] ومع اختناق الاقتصاد العالمي بفعل تفشّي الفيروس، بما في ذلك في أكبر عشرة اقتصادات عالمية،[8] فمن المرجح أن يستمر هذا التوجّه. كما أنّ الضغط على أسعار النفط سيزداد على الأرجح بفعل تباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع التجارة العالمية (بسبب تأثير  فيروس كورونا المستجد والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة[9]). ونتيجة لذلك، ستتأثر شريحة كبيرة من التجارة العربية سلبياً. ولن تُفلِت الاقتصادات العربية وآفاق تبادلاتها التجارية من هذا الأثر في ظل تراجع التجارة العالمية بسبب تعطل أنظمة الإنتاج عالمياً وازدياد العجز في الميزانيات في جميع أنحاء العالم.

 

أما الأثر الثاني للجائحة المتصل تحديداً بالبلدان العربية، وهي جميعها بلدان مستوردة صافية للأغذية، فهو ازدياد التهديدات التي تتربّص بالأمن الغذائي. هذا وتعتبر البلدان العربية بالفعل في مصاف البلدان الأكثر عرضةً لانعدام الأمن الغذائي بسبب آثار التغيّر المناخي، والنمو السكاني الكبير وشحّ المياه. كما أنّ معدلات انتشار سوء التغذية والتقزّم لدى الأطفال خطيرة في المنطقة العربية.[10] بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التهافت على شراء الأغذية بدافع الهلع في ظل تفشّي الجائحة وعدم اليقين بخصوص مدتها وآثارها النهائية، وإعادة النظر في سبل إدارة الإمدادات الغذائية عالمياً، تشير جميعها إلى أنّ أسعار الأغذية ستسمر في الارتفاع في أنحاء العالم. وفي هذا السياق، تُبيّن الأدلة العملية حول أثر أزمة الغذاء العالمية في 2006-2008 على البلدان العربية أنّ متوسط أسعار الأغذية ارتفع بنحو 20 في المئة، وكان هذا الارتفاع أقل من ذلك في بلدان مثل المغرب، وأعلى في مصر وجيبوتي.[11] و من ناحية فإن انخفاض أسعار النفط وحده سيؤدي على الأرجح إلى إنخفاض  أسعار الأغذية. وكان سعر البرميل الفوري لنفط برنت قد وصل في عام 2008 إلى 97 دولار بالمقارنة مع 28 دولار في 17 أبريل/نيسان المنصرم.[12] ومن جهة ثانية، من المرجح أن يتصاعد الضغط على أسعار الأغذية بفعل الاضطراب المتصل بالجائحة مقترناً بالتدابير الحمائية المتوقعة.

 

أما السِمة المحددة الثالثة للبلدان العربية والتي ستحدد أثر الجائحة فهي انضمامها المحدود إلى سلاسل القيمة العالمية.[13] وفي حين تعتبر هذه السمة عموماً صفةً سلبيةً للاقتصاديات العربية، إلا أنّها قد تُخفّف من الصدمة الاقتصادية التي سيتسبّب بها فيروس كورونا المستجد في العالم العربي.[14] وسيكون تعطّل سلاسل القيمة العالمية على الأرجح الشكل الرئيسي للضرر الاقتصادي، وبشكل أساسي بسبب الصين، ولكن أيضا في باقي منطقة شرق آسيا بالإضافة إلى الاقتصادات العالمية الكبيرة.[15]  كما أنّ اندماج الاقتصادات العربية المحدود في سلسلة القيمة العالمية (يُقاس بشكل أساسي بالتبادل التجاري في مجال التجارة في السلع الوسيطة)[16] والغياب النسبي لسلسلة قيمة إقليمية عربية يعني أنّ أثر هذا الجانب المتعلق بالإنضمام إلى سلاسل القيمة سيكون طفيفاً. غير أنّه من المتوقّع أن تكون الآثار المتصلة بالطلب الناجمة عن الاعتماد الكبير على سلاسل القيمة في البلدان العربية حادةً أسوةً بما هي عليه في باقي العالم.

 

أما السِمة الرابعة والأخيرة للعالم العربي على صعيد الضرر الناجم عن فيروس كورونا المستجد فهو الأثر المُرجح على تجارة الخدمات. ومن المحتمل أن يؤثّر هذا العامل الذي تُهمله التحليلات التجارية، بشكلٍ حاد على الاقتصادات العربية. وفي هذا السياق، تُعتبر السياحة، المتوقفة حالياً في جميع أنحاء العالم، مصدراً مهماً للعملات الأجنبية والوظائف بالنسبة لعدد كبير من البلدان العربية، بما يشمل[17] السعودية (موسم الحج والعمرة)، والمغرب، وتونس، ومصر، والإمارات ولبنان (أنواع مختلفة من السياحة).[18] وعلى الأرجح أن يكون للتوقّف المُفاجئ والمُطوّل للسياحة أثراً سلبياً كبيراً على ميزان المدفوعات في البلدان العربية. ينطبق الأمر نفسه على النقل الذي يلعب دوراً هاماً بالنسبة إلى بعض البلدان العربية بالإضافة إلى تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. هذا وقد وصلت نسبة صادرات الخدمات إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية إلى نحو 9 في المئة في بلدان مثل مصر وتونس، وتراوحت بين 15 و17 في المئة في بلدان مثل الإمارات والأردن والمغرب.[19] وتُشكّل السياحة حصة الأسد (تُقاس بالسفر) من صادرات الخدمات بالنسبة إلى بلدان مثل المغرب (42 في المئة في عام 2018)[20]، وتونس (45 في المئة في عام 2018)[21]، ومصر (49 في المئة في عام 2018)[22] والسعودية (66 في المئة في عام 2018)[23].

 

وفي الختام، من المتوقّع أن يكون لفيروس كورونا المستجد أثراً سلبياً كبيراً غير مسبوق على الاقتصادات العربية عبر القنوات التجارية. اقتصادات البلدان العربية، أسوةً بباقي دول العالم، ستتأثّر بشدة، إلا أنّ الطبيعة الخاصة لاقتصادات البلدان العربية  وهياكلها التجارية ستميّزها عن باقي العالم. ينبغي للبلدان العربية أن تُعيد النظر في تكاملها التجاري لكي تحقق أهداف التنمية المستدامة الخاصة بها. مثلاً، من شأن التبادل التجاري فيما بين هذه الدول في مجال السلع التجارية والأغذية الأساسية، والتعاون الإقليمي في مجال مخزونات الأغذية أن يُساهم في تحقيق أهداف الأمن الغذائي الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ تأسيس سلاسل قيمة إقليمية وتعزيز التبادل التجاري فيما بين دول المنطقة في مجال الخدمات بعد انتهاء هذه الجائحة، يُمكن أن يساعد هذه البلدان في تخفيف الآثار السلبية الهائلة المترتبة عن الصدمة التي تسبّب بها فيروس كورونا المستجد.

 


[1] صندوق النقد الدولي (2019)، "التنويع الاقتصادي في البلدان العربية المصدرة للنفط"، ورقة بحثية قدّمت خلال الاجتماع السنوي لوزراء المالية العرب، أبريل/نيسان 2016، المنامة، البحرين. متاحة على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.imf.org/external/np/pp/eng/2016/042916.pdf

[2] البنك الدولي، "ارتفاع قياسي للتحويلات المالية على مستوى العالم في 2018"، بيان صحفي، أبريل/نيسان 2019. متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2019/04/08/record-high-remittances-sent-globally-in-2018

[6] ريد ستانديش وكيث جونسون (2020)، "لا نهاية مرتقبة لحرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية"، تقرير "فورين بوليسي"، 14 مارس/آذار 2020، متاح على الرابط الإلكتروني التالي:

https://foreignpolicy.com/2020/03/14/oil-price-war-russia-saudi-arabia-no-end-production/

[7] دفتريوس، جون (2020)، "لِمَ تنهار أسعار النفط وماذا يعني ذلك؟"، "سي إن إن بزنس"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://edition.cnn.com/2020/03/09/business/oil-price-crash-explainer/index.html

[8] بالدوين وويدير ي مورو (2020)، "مقدمة"، في ريتشادر بالدوين وبيتاتريس دي مورو (ناشرون)، "الاقتصاد في زمن فيروس كورونا المستجد"، كتاب صادر عن منظمة VoxEU.org، منشورات مركز البحوث الاقتصادية والسياسية (CEPR). متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://voxeu.org/content/economics-time-covid-19-0

[9] كانت "منظمة التجارة العالمية تتوّقع في عام 2019 أن يتباطأ نمو حجم تجارة السلع العالمية ليصل إلى 2.6 في المئة بعد أن كان 3 في المئة في 2018 وكانت تأمل أن تتحسن الأمور في عام 2020 في حال خفّت التوترات التجارية. منظمة الصحة العالمية (2019)، "نمو التجارة العالمية يخسر زخمه مع استمرار التوترات التجارية"، بيان صحفي متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.wto.org/english/news_e/pres19_e/pr837_e.htm

[10] الإسكوا والفاو (2017)، "آفاق المنطقة العربية 2030: تعزيز الأمن الغذائي: موجز فني، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: http://www.fao.org/fileadmin/user_upload/rne/docs/arab-horizon-2030-prospects-enhancing-food-security-summary-english.pdf

[11] إيانشوبيشينا، إيلينا وجوزيف ليونينغ وكريستينا وود (2012)، "ما مدى ضعف البلدان العربية أمام صدمات أسعار الأغذية العالمية؟"، مجلة دراسات التنمية (50) 9، متاحة على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.researchgate.net/publication/254073314

[13] الإسكوا (2017)، "النقل والتواصل مع سلاسل القيمة العالمية : أمثلة من الدول العربية"، متاحة على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.unescwa.org/ar/publications/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9

[14] أريزكي، رباح وها نغوين (2020)، "فيروس كورونا المستجد يضرب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر قنوات متعددة"، في ريتشارد بالدوين وبياتريس دي مورو (ناشرون)، "الاقتصاد في زمن فيروس كورونا المستجد"، كتاب صادر عن منظمة VoxEU.org، منشورات مركز البحوث الاقتصادية والسياسية (CEPR). متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://voxeu.org/content/economics-time-covid-19-0

[15] مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) (2020)، "أثر جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID-19) على التجارية العالمية"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/ditcinf2020d1.pdf

[16] لمراجعة حول سبل قياس الاندماج في سلاسل القيم وما هي السياسات التي تؤثر على هكذا إدماج، الرجاء انظر، منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (2015)، "مشاركة البلدان النامية في سلاسل القيمة العالمية: تبعات السياسات التجارية والسياسات المتعلقة بالتجارة"، ورقة موجزة، متاحة على الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.oecd.org/countries/gabon/Participation-Developing-Countries-GVCs-Summary-Paper-April-2015.pdf

[17] شكّلت نحو 3.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. انظر، المنتدى الاقتصادي العالمي (2019)، "تقرير التنافسية في السفر والسياحة لعام 2019"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://reports.weforum.org/travel-and-tourism-competitiveness-report-2019/regional-profiles/middle-east-and-north-africa/ . بالنسبة إلى العالم العربي، شكّلت نحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وأمّنت 4.5 مليون وظيفة، أي 97 في المئة من إجمالي الوظائف في عام 2011). انظر البنك الدولي (2013)، "السياحة في العالم العربي قد تعني أكثر من مجرد الشمس والرمال والشواطئ"، متاحة على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.worldbank.org/en/news/feature/2013/02/11/tourism-in-the-arab-world-can-mean-more-than-sun-sand-and-beaches

[18] أريزكي، رباح وها نغوين، انظر 15


أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. وهو باحث في منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية (ERF) في مصر، وفي مركز البحث الاقتصادي والاجتماعي (CASE) في بولندا.

 

إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد غنيم أحمد غنيم

الأكثر قراءة