هل كان النمو لصالح الأكثر فقرًا في المنطقة العربية بين التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟

دوني القسطا, 07 نوفمبر/تشرين الثاني 2017

يمكن من خلال النظر في علاوة النمو الاستهلاكي[i]، وهي الفرق بين معدل النمو في الاستهلاك لمجموعة مئوية معينة ومتوسط النمو لإجمالي المسح، استنتاج أنه على الرغم من عبور المنطقة العربية بعدد متساو تقريبا من المراحل التي تراعي مصالح الفقراء (الأكثر فقراً) وتلك التي تناهض مصالح الفقراء (الأكثر فقراً) خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية، فإن استهلاك الفقراء قد تعرض لتقلبات شديدة، وأن الفئة في أسفل هذا التوزيع قد تم تجاهلها.  يترتب على ذلك آثاراً على السياسات ويدعو إلى توجيه الجهود للحد من الفقر في البلدان العربية تجاه الحفاظ على سبل العيش وتعزيز قدرة أفقر الفقراء على التكيّف والصمود.

 

تستند النتيجة المذكورة أعلاه إلى فحص أكثر من 30 مسح أسري[1] والتي تمثل بصورة انتقائية البلدان العربية في التسعينيات والعقد الأول من الألفية لإجراء قياسات مختلفة للفقر وعدم المساواة.[ii]  يظهر فحص انتقائي لعشرين من هذه المسوحات أنماط واتجاهات غير متجانسة لنسبة عدم المساواة وانتشار الفقر وعمقه وشدته في البلدان العربية (البيان 1).[iii] وفي إطار الاتجاه العام للحد من الفقر، سُجلت أدنى مستويات للفقر في بلدان المغرب العربي (الجزائر والمغرب وتونس)، تلتها بلدان المشرق (مصر والأردن ولبنان والعراق وفلسطين) وأخيرًا البلدان الأقل نمواً (جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والسودان واليمن). من المقلق أن نرى ازدياد عمق الفقر وحدته (من خلال حجم الفقاعات) مع ارتفاع نسبة الفقر، ما يعني أن البلدان التي تعاني من أعلى معدلات للفقر هي موطنٌ للفقراء الذين يعيشون في أسفل خطوط الفقر، ومع ازدياد عدم المساواة فيما بينهم). ومن ناحية أخرى،[2] في حين يمكن تحديد طبقات مختلفة من عدم المساواة، يبدو أنه ما من علاقة محددة لها مع مستويات التنمية في البلدان الخاضعة للتقييم. ففي العقد الأول من القرن، على سبيل المثال، كانت جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والمغرب وتونس من بين البلدان التي سجلت نسب مرتفعة من عدم المساواة؛ بينما أظهرت الأردن وفلسطين والسودان مستويات متوسطة من عدم المساواة. واعتبرت مصر والعراق وسوريا واليمن من المجتمعات التي تميّزت بأكبر نسب مساواة في المنطقة.

 

البيان 1: الفقر وعدم المساواة في بعض البلدان العربية، خلال السنوات 1988-2010

dony_1.png
المصدر: تستند حسابات المؤلف إلى مسوحات أسرية مصدرها قاعدة بيانات بوفكال نيت (PovcalNet) الصادرة عن البنك الدولي.

 

بينما يعد نمو الدخل ضرورياً للحد من الفقر المالي، من المهم معرفة فئات الفقراء التي استفادت من هذا النمو بين التاريخين المحددين للمسوحات، أي معرفة ما إذا كان النمو لصالح الفقراء (الأكثر فقراً) أو مناهض لهم.

 

بالأسلوب المطلق الضعيف، يخدم النمو الفقراء إذا زاد مستوى دخلهم أو مستوى استهلاكهم، بغض النظر عما حدث لمداخيل غير الفقراء.

 

ويمكن بسهولة توسيع نطاق التعاريف العملية الرئيسية الثلاثة للنمو لصالح الفقراء الواردة في المؤلفات والأبحاث ليشمل تحليل النمو لصالح الأكثر فقراً.[iv] بالأسلوب المطلق الضعيف، يخدم النمو الفقراء إذا زاد مستوى دخلهم أو مستوى استهلاكهم، بغض النظر عما حدث لمداخيل غير الفقراء. ولكي يكون النمو مفيداً للفقراء بالمعنى النسبي الضعيف، يجب أن يزداد دخل الفقراء بمعدل أسرع من متوسط معدلات النمو، ما يؤدي إلى انخفاض التفاوت (بمعنى نسبي)، حيث سيكون نصيب الفقراء من إجمالي الدخل القومي أو الاستهلاك في ازدياد. وأخيرًا، فإن النمو يكون لصالح الفقراء بالمعنى القوي المطلق إذا تقلصت الفجوة بين دخل الفقراء وغير الفقراء، ما يتطلب من النمو أن يكون أكثر انحيازا لصالح الفقراء، وهو ما يؤدي إلى الحد من عدم المساواة المطلق.

 

إن منحنى معدل النمو (GIC) هو أداة حدسية مفيدة في بادئ الأمر ويعطي صورة واضحة حول الانماط التوزيعية لفترات ارتفاع النمو أو تراجعه. وهو يلخّص معدل التغيّر في الدخل أو الاستهلاك بين تاريخين محددين من المسح (أو الحقبات)، لمختلف النسب المئوية للتوزيع. إن منحنيات معدل النمو لمصر والأردن وموريتانيا واليمن، طوال فترات أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، تشير إلى الفوارق بين الدول وفي داخلها على صعيد تطورات الازدهار المشترك، [v] وبالتالي تشير إلى مخرجات مختلفة للفقر وانعدام المساواة.

 

 ولمزيد من التوضيح، يشير منحنى معدل النمو الواقع فوق الصفر إلى انخفاض الفقر، مع ارتفاع معدلات نمو الاستهلاك الأسري وخاصة في الجزء السفلي من التوزيع ما يؤدي إلى الحد من الفقر بشكلٍ أسرع. وسيكون النمو في هذه الحالة لصالح الفقراء بالمعنى المطلق الضعيف. في المقابل، يشير منحنى معدل النمو المسطح إلى نمو متساوٍ كما كان حال الأردن على سبيل المثال بين 1997 و2010. ويشير انخفاض (ارتفاع) منحنى معدل النمو إلى نمو لصالح الفقراء (مناهض للفقراء) بالمعنى النسبي الضعيف وإلى انخفاض (ارتفاع) عدم المساواة النسبي.

 

فعلى سبيل المثال، كان النمو في مصر خلال الفترة 1990-1995، وإلى حد ما خلال الفترة 2004-2008، لصالح الفقراء، على الرغم من أنه لم يفيد الجزء السفلي من التوزيع في هذه الحقبة الأخيرة؛ في حين كان النمو في الفترة 1995-1999 مناهضا للفقراء بمعنى نسبي (إلا أنه كان لصالح الفقراء بالمعنى المطلق الضعيف باستثناء النسب السفلية) أو لصالح غير الفقراء كما يشير إليه البعض، بمعنى أن الجزء العلوي من التوزيع استفاد بشكل أكبر نسبيًا من هذا النمو. شهدت اليمن انخفاضا في مستوى الرفاه بين عامي 1998 و2005، بينما يبدو أن الجزئين الأسفل والأعلى من التوزيع التابعين لموريتانيا قد استفادا من النمو خلال الفترة 1995 - 2008.

 

 البيان 2: منحنى معدل النمو في مصر بين 1990 و2008

dony_2.png
 المصدر: تستند حسابات المؤلف إلى مسوحات أسرية مصدرها قاعدة بيانات بوفكال نيت (PovcalNet) الصادرة عن البنك الدولي.

 

البيان 3: منحنى معدل النمو في بعض البلدان العربية، خلال السنوات 1995-2010

dony_3.png
المصدر: تستند حسابات المؤلف إلى مسوحات أسرية مصدرها قاعدة بيانات بوفكال نيت (PovcalNet) الصادرة عن البنك الدولي.

 

وكمثالٍ أخير (البيان 4)، يشير منحنى معدل النمو في المغرب في الفترة 1998-2007 إلى أن نمو متوسط الاستهلاك السنوي قدره٪ 2.5، وإلى أن النمط التوزيعي للنمو يبدو محايداً بقليل لصالح الأكثر فقراً (باستثناء أدنى المعدلات المئوية)، وإلى انخفاض الفقر المدقع من 7٪ إلى 3٪، وانخفاض معدل الفقر عند خط الفقر الوطني من 16.2٪ إلى 8.9٪.

 

البيان 4: منحنى معدل النمو ومعدلات الفقر المختارة للمغرب، 1998-2007

dony_4.png
المصدر: حسابات المؤلف.

 

في تحليل شامل درست فيه النمو لصالح الفقراء في 32 حقبة تغطي البلدان العربية التي يتوافر فيها أكثر من مسح أسري خلال الفترة الممتدة من 1988 إلى 2010،[vi] وجدت أن النمو كان لصالح الفقراء (الأكثر فقراً) في حوالي نصف تلك الحقبات. لكن بدا أن استهلاك الفقراء قد تعرض لتقلب شديد، ومن المحتمل أن يكون الجزء السفلي من التوزيع، أي الأدنى 5٪ من السكان، قد تم تجاهله.

 


[1] هناك مخاوف بشأن جودة هذه المسوحات، ولكنها تنطبق أيضا على جميع البلدان.

[2] تجدر الإشارة إلى أنه عندما ننظر إلى التغيرات في عدم المساواة، نلاحظ استخدام تدابير "عدم المساواة النسبية". عند استخدام "انعدام المساواة المطلق"، يختلف المشهد نوعا ما.

 


[i]  يُعرف ذلك أيضاً بـ "تقاسم الرخاء".

[ii] إن البيانات التي تشكل أساس هذه الحسابات والتحاليل الواردة أدناه، مصدرها قاعدة بيانات البنك الدولي لبوفكال نيت  (PovcalNet) للمسوحات الأسرية الموحدة.

[iii] تقيس نسبة عدد الفقراء معدل الفقراء بين السكان. إن نسبة بالما، هي معامل تركيز الدخل (أو الاستهلاك) التي اكتسبت شعبية في السنوات الأخيرة. وتعرف بأنها نسبة حصة الدخل القومي العائدة إلى أغنى 10٪ من السكان مقسومة على التوزيع العائد لأفقر 40٪ من السكان. وفي هذه الحالة، استخدامها كمؤشر لعدم المساواة. لمعرفة المزيد حول عدم المساواة في المنطقة العربية، يمكنك الاطلاع على المدونة: "إن عدم المساواة المطلقة لا النسبية هي المهمة: نظرة جديدة على عدم المساواة في المنطقة العربية قبل الربيع العربي". وأخيراً يتضمن مؤشر سين-شوروكس-ثون نسبة الفقر وعمقه وعدم المساواة بين الفقراء.

[iv] أنظر أداة النمو لصالح الفقراء في س. كلاسن (2008). النمو الاقتصادي والحد من الفقر: مسائل القياس باستخدام مؤشرات تعتمد على الدخل ومؤشرات غير متعلقة بالدخل. التنمية العالمية، 36، 420-445

[v] لمعرفة المزيد حول مفهوم الازدهار المشترك، أنظر المدونة: " حول احتمالات تحقيق البلدان العربية أهداف التنمية المستدامة والأهداف المتعلقة بالفقر المالي: عمليات محاكاة الازدهار المشترك".

[vi] خاصةً الجزائر ومصر والأردن وموريتانيا والمغرب وفلسطين وتونس واليمن.

 


دوني القسطا مختص في مجال الفقر والطاقة والبيئة، يتمتع بخبرة مهنية مدتها 18 عامًا في مجال الاستشارات، والأوساط الأكاديمية ومراكز البحوث، ومنظومة الأمم المتحدة منذ عام 2011، حيث شغل العديد من المناصب والمهام خصوصًا مع لجنة للأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

دوني القسطا دوني القسطا

الأكثر قراءة