لمن يذهب دعم الخدمات الصحية في مصر؟ الفقراء أم الأغنياء

أحمد رشاد, 05 أبريل/نيسان 2017

بعد الاستقلال في الخمسينات من القرن الماضي، ظهرت الدولة العربية الحديثة التي توفر التعليم والصحة والعمل لجميع للمواطنين. حتى الآن ما زالت الدولة المصرية تقدم الخدمة الصحية في مستشفيات وزارة الصحة، وعادةً ما تكون مدعومة بشكل كبير بهدف تمكين الفقراء من الحصول على الخدمة الصحية من ناحية، وتحقيق العدالة في الحصول على الخدمة الطبية وإعادة توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة من ناحية أخرى. على الرغم من الدعم، هناك عزوف في الحصول على خدمة صحية من وحدات الرعاية الصحية العامة والمستشفيات الحكومية، حيث يفضل العديد من المرضى الحصول على الرعاية الصحية من القطاع الخاص على القطاع الحكومي. على سبيل المثال، أشار المسح الصحي السكاني الصادر في عام 2014 أنّ ربع الولادات فقط تمت في مرفق صحي حكومي يقدم خدمة صحية، بينما تمت 60% من الولادات في مرفق صحي خاص.[1] ما يدعو أيضًا للقلق أنه هناك بين الفقراء في مصر أيضًا تفضيل للخدمة الصحية الخاصة والتي تتطلب تكاليف زائدة عن الخدمة الصحية العامة المدعومة. عن أسباب العزوف عن الخدمة الطبية الحكومية، أشارت المستجيبات للمسح الصحي السكاني أنّ أهم معوقات الحصول على خدمة طبية من هو عدم حضور مقدمي الخدمة الصحية إلى عملهم. [1]

 

الدعم الحكومي يتوزع بشكل شبه متساوي على الفئات الاقتصادية المختلفة

 

في دارسة حديثة صدرت عام 2015 حول تقييم العدالة في توزيع الدعم الحكومي على الخدمة الصحية في مصر للبحث في المستفيدين من العلاج الحكومي، مع الأخذ في عين الاعتبار مستواهم الاقتصادي، تبيّن أنّ الدعم الحكومي يتوزع بشكل شبه متساوي على الفئات الاقتصادية المختلفة. فعلى سبيل المثال، يحصل أفقر 40% في مصر على حوالي 43% من ميزانية الدعم، بينما يحصل أغنى 60% في مصر على حوالي 57% من حجم الدعم على الخدمات الطبية.[2] كذلك توصل باحثون من جامعة هارفارد إلى نتيجة مماثلة عن الوضع في مصر.[3] بناءً على تلك النتائج، لا يمكن القول أنّ انتهاج سياسة الدعم غير الموجه في مصر قد حققت أهدافها الخاصة بالعدالة، إذ قد تكون ساهمت في الإرتقاء بصحة المواطنين ولكن لم تفلح تلك السياسة في تحقيق العدالة الاجتماعية بإعادة توزيع الدخل بين الفئات الاقتصادية المختلفة.

 

إن استمرار هذا النظام في الدعم دون إصلاح يعني استمرار هدر الموارد الإقتصادية المحدودة في مصر، في حين أنّ حماية الفقراء تتطلب إعادة هندسة نظام الدعم في مصر بحيث تنخفض قيمة الدعم مع زيادة الدخل. بينما تستهدف الحكومة المصرية تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل على ثلاث مراحل على مدار 10 سنوات، من الممكن أن تستعمل الحكومة المصرية أساليب بسيطة مثل الاستهداف الجغرافي لاستهداف الفقراء والأكثر حاجةً في الأجل القصير لتمكنها من تحسين العدالة في توزيع الدعم. عند مقارنة نظام الدعم غير الموجه بنظام الاستهداف الجغرافي في المكسيك وفنزويلا وجامايكا، وُجد أن نظام الاستهداف الجغرافي مفيد وفعّال لتوصيل الدعم للفقراء.[4]

 

في السنوات العشر الأخيرة، قطعت الحكومة المصرية شوطًا كبيرًا في تحديد أماكن وخصائص الفقراء. على سبيل المثال، نحن نعرف أين تقع أفقر ألف قرية في مصر ولدينا الآن ما يعرف بخريطة الفقر، كما لدينا بيانات عن معدلات انتشار البطالة في محافظات وقرى مصر. كخطوة أولى، من الممكن زيادة حجم الدعم في المراكز الصحية في تلك المناطق الفقيرة التي لا يعيش فيها الأثرياء. وهذا ما يعرف بالاستهداف الجغرافي، وقد يصاحب هذا الاستهداف وسائل أخرى من وسائل الاستهداف مثل الاختبار المعروف بإسم simple means test وهو اختبار يعتمد على تقييم خصائص بسيطة للأسرة والتي تعكس الحالة الاقتصادية، مثل مستوى التعليم لدى أفراد الأسرة ووظيفة رب الأسرة وعمره وعدد الأطفال في المنزل. لكن يجب التحذير هنا أن برامج الحماية الاجتماعية التي تستغرق في استهداف الفقراء وتتشدد في معايير قبول المواطنين قد تستبعد بعض الفقراء وتتحول إلى برامج رديئة وخصوصًا إذا كانت مًتعلقة بالحصول على الرعاية الصحية.[5]

 

المراجع

  1. Ministry of Health and Population [Egypt] El-Zanaty and Associates [Egypt] and ICF International, Egypt Demographic and Health Survey 2014. 2015: Cairo, Egypt and Rockville, Maryland, USA. 
  2. Rashad, A.S. and M.F. Sharaf, Who Benefits from Public Healthcare Subsidies in Egypt? Social Sciences, 2015. 4(4): p. 1162-1176.
  3. Rannan-Eliya, R.P., C. Blanco-Vidal, and A. Nandakumar, The distribution of health care resources in Egypt: Implications for equity. Boston: Harvard School of Public Health, 2000.
  4. Baker, J.L. and M.E. Grosh, Poverty reduction through geographic targeting: How well does it work? World Development, 1994. 22(7): p. 983-995.
  5. Cornia, G.A. and F. Stewart, Two errors of targeting. Journal of International Development, 1993. 5(5): p. 459-496.

 


أحمد رشاد باحث في اقتصاديات التنمية، اقتصاديات الصحة، والاقتصاد القياسي التطبيقي. حاصل على درجة الدكتوراه في التنمية الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في الصحة.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد رشاد أحمد رشاد

الأكثر قراءة