التنويع الاقتصادي في بلدان مجلس التعاون الخليجي – الوجهة مجهولة

كريستيان كوش, 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

 

وضع الانخفاض الحاد في أسعار النفط في العام 2014 حدّا لفترة استمرت طوال عقدٍ من الزمن من النمو الاقتصادي العالي والفوائض في الميزانية لبلدان مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة). وفي حين شهدت بلدان مجلس التعاون الخليجي مثل حالات الركود هذه في أسواق النفط من قبل، فقد أثبتت هذه المرة اختلافها بناءً على غالبية التوقعات التي تشير بأنه من غير المرجح أن تتعافى أسعار النفط قريبًا وأنها في الواقع قد لا تتعدى مجددًا أبدًا مستويات الـ 100 دولار أميركي التي سادت لفترة طويلة من العقد ما بين 2003 و 2013.

 

ويمكن لمس التأثير بشكل فوري، نظرًا للإعتماد القوي للميزانيات الوطنية لدول المنطقة على عائدات النفط، واجهت حكومات بلدان مجلس التعاون الخليجي عجزًا متراكمًا في الميزانية وصل إلى 119 مليار دولار أميركي في العام 2015. أما بالنسبة للعام 2016، فمن المتوقّع أن يصل العجز إلى 153 مليار دولار أميركي مع استمرار حالات العجز التي تتعدى حاجز الـ 100 مليار دولار أميركي حتى العام 2021.[1] ومقارنة مع العام 2014، من المتوقع أن تكون عائدات النفط أقل بـ 400 مليار دولار أميركي في العام 2016.[2]

 

ونتيجةً لذلك، اضطرت اقتصادات مختلف بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى الاستجابة إلى الظروف المتغيرة. وأطلقت المملكة العربية السعودية، حيث لا يزال النفط يمثل ثلاثة أرباع إجمالي عائدات التصدير و90٪ من الإيرادات الحكومية، عددًا من التدابير لخفض العجز في ميزانيتها وتقليص الإنفاق. وبشكل أكثر تأثيرًا، شملت التدابير خفض الدعم على أسعار المياه والكهرباء، بالإضافة إلى البدء بتخفيضات لرواتب موظفي القطاع العام، حيث يشكّل المواطنون السعوديون 70٪ منهم.[3][4] كما خفضت سلطنة عمان بشكل كبير من ميزانيتها للعام 2016 من خلال فرض خفض الرواتب والدعم، وزيادة رسوم التأشيرة، ورفع معدلات الضرائب المفروضة على الشركات.[5] كما وحثّ صندوق النقد الدولي على تخفيض إضافي بنسبة 35٪ في العام 2017.[6] ويمكن ملاحظة اتخاذ خطوات مماثلة في بلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى كذلك.[7] فللمرة الأولى منذ فترة طويلة، تمّ إدراج المواطنين في خطط التكيف الاقتصادي، مما يدل على إعادة تقويم العلاقات الحالي بين الدولة والمجتمع في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

 

إلى جانب وجود انخفاض في الإنفاق الحكومي، أعلنت حكومات بلدان مجلس التعاون الخليجي أيضًا أو شددت مرة أخرى على خططها لتنويع اقتصاداتها للصمود في مرحلة انخفاض أسعار النفط. وكان أهمها الإعلان عن خطة التحول الوطني في المملكة العربية السعودية، المعروفة باسم وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030، بحيث ستنفذ المملكة جهودا متنوعة وواسعة النطاق لضمان أن يبقى اقتصادها قادرًا على المنافسة وعلى تلبية متطلبات الميزانية المتوسطة والطويلة الأجل.[8] وكما هو الحال مع وثائق الرؤية الأخرى التي أصدرتها الحكومات النظيرة – مثل رؤية البحرين 2030 التي صدرت في العام 2008، ورؤية الكويت 2035 التي صدرت في العام 2015، ورؤية قطر الوطنية 2015 التي صدرت في العام 2008، ورؤية عُمان 2020 التي صدرت في العام 2013، ورؤية الإمارات 2021 التي صدرت في العام 2010، يبقى الهدف الرئيسي إنشاء اقتصاد قائم على المعرفة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وزيادتها، وجذب الاستثمار الأجنبي، والوصول إلى خلق فرص عمل للسكان المواطنين.[9]

 

في حين تُعتبر حكومات بلدان مجلس التعاون الخليجي أنها تستجيب للظروف الاقتصادية المتغيرة، أصبح من الواضح أيضًا مع هذه الاستجابات أنّ الدخل من النفط لم يكن يُستعمل بشكل كافٍ في الماضي لإحداث التنوع الاقتصادي في مختلف أنحاء منطقة الخليج. حتى الآن، لم تشهد أي من الخطط الكثيرة التي تقودها الدول وتمّ تقديمها على ترجمة الرؤية إلى عمل دائم.[10] وفي الواقع، باتت بلدان مجلس التعاون الخليجي كلها، بإستثناء إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة، تعتمد أكثر على إيرادات تصدير النفط مما كانت عليه قبل 30 عامًا.[11]

 

وبالتالي، تبقى النتيجة صورة مختلطة مع قدر كبير من عدم اليقين حول ما إذا كانت جهود الإصلاح الحالية ستنجح بالفعل. ففي حين أشاد صندوق النقد الدولي بالجهود الأولية للسيطرة على العجز في الميزانية، فقد حذّر أيضًا من أنه لا ينبغي أن يضيع زخم الإصلاح وينبغي تنفيذ سياسات التكيف الهيكلي عاجلًا وليس آجلًا.[12] وبطبيعة الحال، القول أسهل من الفعل نظرًا إلى أنّ اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي تواجه تحديّات على المدى الطويل لأنّ الحلول السريعة لن تكفي. وتشمل هذه التحديّات بيئة إقليمية شابتها نزاعات كثيرة، وحقيقة أنه من المتوقع أن تظل أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة، واحتمال الاضطرابات الداخلية، فضلًا عن احتمال المقاومة المؤسسية لإحداث تغيير.

 

ثمة التزام كبير حاليًا بجهود الإصلاح بالإضافة الى دعم سكان بلدان مجلس التعاون الخليجي الخطوات التي تمّ الإعلان عنها حتى الآن. ولكن سيمثّل التوقيت والتوزيع العادل من حيث خفض الإنفاق الجانبين الرئيسيين. وسيؤدي تطبيق الإصلاح بسرعة كبيرة وبشكل غير متساوٍ إلى انهيار التوافق الوطني، مما يهدد بالتالي الآفاق المستقبلية بشكل عام. وقد يشكّل حلّ مجلس الأمة الكويتي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بسبب الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود نذيرًا لما سيحصل في المستقبل من حيث ردود الفعل السلبية من المواطنين. وعلى هذا النحو، تبقى وجهة التوقعات بالفعل مجهولة رغم الجهود التي تبذل على كافة المستويات لتأمين مسار متماسك.

 

[1] 20 سبتمبر/أيلول 2016. تقرير: من الأرجح أن يتخطى عجز ميزانية دول التعاون الخليجي 153 مليار د. أ. في العام 2016 - Report: GCC Budget Deficits likely to exceed USD 153 billion in ‘16. وكالة الأنباء الكويتية، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2534586&language=en

[2] داس أوغستين Das Augustine، بابو Babu، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016. مقارنة مع العام 2014، من المتوقع أن تكون عائدات النفط أقل بـ 400 مليار د. أ. في العام 2016 - GCC oil revenues are projected to be $400 billion less in 2016، غلف نيوز Gulf News (الإمارات العربية المتحدة)، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://gulfnews.com/business/economy/gcc-oil-revenues-are-projected-to-be-lower-by-400-billion-in-2016-1.1914963

[3] العمران، أحمد. سعيد، سامر، 28 ديسمبر/كانون الأول 2015. السعودية تخفض الإنفاق وترفع أسعار الوقود محليًا - Saudi Arabia cuts spending, raises domestic fuel prices. وول ستريت جورنل، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.wsj.com/articles/saudi-arabia-announces-2016-budget-1451312691

[4] 27 سبتمبر/أيلول 2016. السعودية تكشف عن أول تخفيض للرواتب في القطاع العام - Saudi Arabia unveils first public sector pay cut. بي بي سي نيوز، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.bbc.com/news/world-middle-east-37482690

[5] العريمي، فاطمة. 30 ديسمبر/كانون الأول 2015. عمان تعتزم خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وتغيرات في أسعار الوقود - Oman plans spending cuts, tax rises, fuel price changes. رويترز، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.reuters.com/article/us-oman-budget-idUSKBN0UD1EV20151230

[6] حسن، سيد هيثم، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016. عمان تخفض الميزانية "عمان تحتاج إلى خفض الإنفاق بنسبة 35٪: صندوق النقد الدولي" Oman to cut budget “Oman needs to slash spending by 35%: International Monetary Fund. تايمز أوف عمان، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://timesofoman.com/article/94656/Oman/Heritage/Oman-needs-to-cut-spending-by-35:-International-Monetary-Fund

[7] كافييرو Cafiero، جورجيو Giorgio، 1 مارس/آذار 2016. قطر تخفض الإنفاق لمواجهة انخفاض أسعار النفط - Qatar cuts spending to cope with low oil prices. معهد الشرق الأوسط، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.mei.edu/content/article/qatar-cuts-spending-cope-low-oil-prices

[8] رؤية المملكة العربية السعودية 2030 [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://vision2030.gov.sa/en

[10] أولريشسن Ulrichen، كريستيان كوتس Kristian Coates، 26 سبتمبر/أيلول 2016. خطط التنويع الاقتصادي: تحديات وآفاق صناع القرار في الخليج - Economic Diversification Plans: Challenges and Prospects for Gulf Policymakers. معهد الخليج العربي في واشنطن، سلسلة تغيير السياسات، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.agsiw.org/economic-diversification-plans-challenges-and-prospects-for-gulf-policymakers/

[11] سبرينغبور Springborg، روبرت Robert، 15 أغسطس/آب 2016. هل يستطيع عمالقة النفط العرب الانتقال إلى مرحلة ما بعد النفط؟ Can Arab Oil Giants move beyond petroleum? ذا نيو آراب، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/english/comment/2016/8/15/can-arab-oil-giants-move-beyond-petroleum

[12] قاسم، محمود، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016. المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي: على دول الخليج مواكبة زخم التنويع - Gulf nations must keep up momentum of diversification, fund’s regional chief says. ذا ناشونل (الإمارات العربية المتحدة)، [على الانترنت]. متوفر على الرابط: http://www.thenational.ae/business/economy/gulf-nations-must-keep-up-momentum-of-diversification-funds-regional-chief-says

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


د. كريستيان كوش هو مدير مركز الخليج للأبحاث في جنيف، سويسرا

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

كريستيان كوش كريستيان كوش

الأكثر قراءة