قضايا يتم تجاهلها في قرض مصر وصندوق النقد الدولي المرتقب

أحمد غنيم [[email protected]], 27 أكتوبر/تشرين الأول 2016

أعلنت الحكومة المصرية في آب/أغسطس 2016 أنّ المفاوضات للحصول على قرضٍ من صندوق النقد الدولي قد أبرِمت بنجاح، إلا أنها ما زالت بانتظار موافقة مجلس صندوق النقد الدولي. تبلغ قيمة القرض 12 مليار دولار أميركي، يتمّ تسديدها على فترة ثلاث سنوات. كما كان متوقعًا، لقد انقسمت الآراء في مصر بين من يعتبر أن القرض يمثّل الحلّ الأخير لإنقاذ اقتصاد مصر في ضوء تضاؤل المصادر العربية للتمويل وتفاقم الأزمة الإقتصادية التي يظهرها العجز المتفاقم في الميزانية وعدم وفرة النقد الأجنبي وارتفاع الدَين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن يرى الرأي أن صندوق النقد الدولي من منظار تقليدي للأمور. أي الرأي الثاني الذي يرى الصندوف على أنه مؤسسة غير شعبية لم تقدم برامجها أي ازدهار لزبائنها. لن تغوص هذه الإفتتاحية في هذا النقاش، بل سوف تلقي الضوء على بعض العوامل الخارجية لهذا القرض عند إبرامه، وأيضًا ستطرّق إلى البرنامج الإصلاحي عند تطبيقه، وذلك من منظار اقتصادي-اجتماعي وسياسي-اجتماعي.

 

ينطوي برنامج الإصلاح الذي يرافق القرض على شروط اقتصادية قاسية، ومن ضمنها، إدخال ضريبة على القيمة المضافة تبلغ 13%، والتي تمّ تبنيها مؤخرا، وجولة أخرى من تخفيض قيمة الجنيه المصري، وتبني نظام أكثر مرونة للنقد الأجنبي، وتخفيض إضافي لدعم الوقود والخدمات العامة. تهدف هذه الخطوات إلى تخفيض العجز الهائل في الميزانية (الذي يبلغ حاليًا حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي) واحتواء الدَين العام المتصاعد بشدة (الذي تجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي). بتعبير آخر، سيتم اعتماد وصفة الإصلاح التقليدية لصندوق النقد الدولي، حيث سينتج عن ذلك ثلاث مشاكل. أولًا، سبق وتمّ اعتماد إجراءات إصلاحية مماثلة من قبل الحكومة المصرية حتى قبل بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من أنها لم تطبق كلها بالكامل، إلا أنّ بوادر تبني هكذا سياسات كانت ظاهرة. وهذا الأمر يعني ببساطة أن الحكومة المصرية ليست بحاجة إلى صندوق النقد الدولي لكي يلعب دور كبش المحرقة لأخذ هذه الإصلاحات على عاتقه. وهذه المسألة غالبًا ما يتم إهمالها عندما يجادل النقاد ضد القرض، وهذا يعني أنه في الحالة التي هو عليها، يشكل القرض ببساطة مصادر إضافية للتمويل لا عبئًا لتحمل الشروط المتعلقة به كون بعض السياسات المتعلقة به كانت في طريقها للتنفيذ. إضافةً إلى ذلك، فإن قرض صندوق النقد الدولي يأتي ضمن رزمة شروط اقتصادية شفافة، وهو أمر غالبًا ما يكون أفضل من الشروط السياسية الغامضة التي تصاحب مصادر التمويل الأخرى.

 

ثانيًا، يعي النظام الحاكم عدم شعبية توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتأثير هكذا اتفاق على شعبيته. في الواقع، فإن الإرادة السياسية قد شهدت هذا الأمر، وهي مسألة يجب تقييمها إذ أن الأنظمة الحاكمة الأخرى في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير كانت خائفة من اتخاذ هذه الخطوة. ويعني هذا الأمر أن الإرادة السياسية عازمة بالرغم من العوامل الخارجية السياسية السلبية التي قد تنتج عند توقيع القرض. بتعبير آخر، يشير هذا الأمر إلى أنّ الحكومة المصرية بحاجة إلى تمويل خارجي، بصرف النظر عن تداعياته السياسية.

 

ثالثًا، صندوق النقد الدولي مدرك بالكامل للتحديات الناتجة عن إبرام صفقة مماثلة، بالأخص في ضوء تجربتها الحديثة وغير الشعبية في اليونان. لذلك سيحاول صندوق النقد الدولي، مع بلاد لها أهمية سياسية كبيرة مثل مصر، أن يثبت من خلال هذا القرض أنه كان يعطي الإنتباه اللازم لشبكة الأمان الإجتماعية التي تصاحب برامجه، وهو توجّه قد أطلقه صندوق النقد الدولي حديثًا، وسيحاول أن يضمن أنه قادر على إدخال سياسات اجتماعية وتطبيقها.

 

تشير هذه الجوانب الثلاثة، والتي غالبًا ما يتمّ تجاهلها في النقاشات الحالية، إلى وجود إرادة قوية لضمان نجاح هذه المبادرة لأسباب متعلقة بالسمعة. لا تشكّل الإرادة السياسية والقدرة المحددات الوحيدة لضمان نجاح هذا البرنامج الإصلاحي، بل كذلك القدرة على التعامل مع العوامل الخارجية الإجتماعية-الإقتصادية والسياسية السلبية. ويشكّل تعزيز شبكة الأمان الإجتماعية، إن كان من خلال تحسين برامج معاشات التقاعد القائمة أو خلق خطط جديدة أو اعتماد برامج جديدة للتحويلات إلى الفقراء، شرطًا ضروريًا إنما غير كافٍ لضمان نجاح هذه التجربة.

 

هناك ثلاث جوانب يبدو أن النظام الحاكم وصندوق النقد الدولي قد تجاهلاهم، وهي تشكل شروطًا ضرورية وكافية لنجاح برنامج صندوق النقد الدولي. أولًا، تنطوي الإجراءات الإصلاحية على تكاليف باهظة ليس للفقراء فحسب (والذي يتم الإعتناء بهم بواسطة نظام شبكة الأمان الإجتماعية)، بل للطبقة الوسطى أيضًا. وفق الإحصاءات الوطنية الحديثة، انخفض حوالي 1,5 مليون أسرة معيشية ما دون خط الفقر في العام 2015، مما يشير إلى انخفاض تدريجي من مستوى الفقر إلى مستوى الفقر المدقع. إضافةً إلى ذلك، فإن الطبقة الوسطى، والتي تعتبر أنها الدعامة الأساسية للمجتمع، تعاني من موجة ارتفاع الأسعار الساحقة والناتجة عن تخفيض قيمة الجنيه المصري والحدّ من الإعانات والإرتفاع غير المسبوق في سعر الخدمات العامة. وإذا تأثرت الطبقة الوسطى من برنامج الإصلاح بشكلٍ كبير، وهذا ما يبدو، فإن شعبية النظام ستتأثر بشكلٍ قاسٍ، وهي مشكلة قد تتسبب بتداعيات سياسية خطيرة. ثانيًا، النظام الحاكم كان يعتمد بشكل كبير في الآونة الأخيرة على المكون العسكري لتعزيز شبكة الأمان الإجتماعية (توعية وتوسيع الشبكة وتقديم السلع والخدمات) للتغلب على الفساد المستشري في البلاد. وفي حين أن هذا الدور بإمكانه استيعاب الآثار السلبية للإصلاح على المدى القصير والسيطرة على الفساد إلى حدٍ ما، إلا أنه يعني خسارةً للثقة في المؤسسات الحكومية وتهميشًا لصلاحياتها التي يجب تعزيزها لا إضعافها كما هو مبين في الأفعال الحالية. ثالثًا، لم تولي لا الحكومة المصرية ولا صندوق النقد الدولي اهتمامًا لتحسين بيئة الإستثمار والأعمال وتمكين دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولم تنجح حتى الآن الإجراءات التي اتُخِذَت للشروع في قانون استثمار جديد أو إنشاء وزارة معنية بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وإن لم يتمّ التطرق إلى هذه الجوانب بطريقة حذرة من قبل الحكومة المصرية، فمن المتوقع أن يتمّ إضعاف إمكانية نجاح أي برنامج إصلاحي.

 

وأخيرًا، فعلى النظام الحاكم وصندوق النقد الدولي أن يكونا مدركَين بأنه من الممكن أن لا تشكّل الحوكمة الرشيدة والعدالة الإجتماعية شرطًا ضروريًا للمباشرة في برنامج الإصلاح، إنما هما بالتأكيد أساسًا مهمًا لتوحيد أي إجراءات إصلاحية متخذة والحفاظ على استدامتها. وفي هذا الخصوص، ثمة حاجة لمقاربة الإصلاحات الإقتصادية عامةً بطريقة أكثر شمولية من خلال فتح قنوات المشاركة الفعالة مع مختلف الجهات المعنية ومن خلال التواصل مع الشعب وعرض تكاليف هذه الإصلاحات وعائداتها المتوقعة. خلافًا لذلك، فمن المحتمل أن يحصل عودة عن الإصلاحات، وفي حال حصوله، سيكون هذا الأمر مرده، إلى حدّ كبير، إلى غياب قنوات التواصل ومحدودية نشر معلومات عن الإصلاحات وكيفية التعامل معها، لا نتيجةً للحزمة الفعلية للإصلاح. وفي حال حدوث أي عودة عن الاصلاحات، يجب عدم إلقاء اللوم على الإجراءات الإصلاحية، بل على الطريقة التي تمّ نشر فيها المعلومات وإدارة التواصل مع المعنيين.  

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. وهو باحث في منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية (ERF) في مصر، وفي مركز البحث الاقتصادي والاجتماعي (CASE) في بولندا.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد غنيم [aghoneim@gmx.de] أحمد غنيم [[email protected]]

الأكثر قراءة