ماذا تعني خطة تنمية مستدامة لعام 2030 مناصرة للفقراء والأكثر فقرًا؟

دوني القسطا, 28 يونيو/حزيران 2017

دفع الإحساس القوي بعدم الإنجاز الذي يرتقي إلى المستوى المطلوب في كافة أبعاد التنمية المستدامة في العقود المنصرمة المجتمع الدولي إلى تطوير واعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بالترافق مع أهداف التنمية المستدامة الـ 17 التابعة لها. إنها خطة تحوّل عالمية وتعهّداتها الأساسية هي مبادئ[i] "عدم ترك أي أحد خلف الركب" و"الوصول أولًا إلى من هم أشد تخلفًا عن الركب"، والتي تسعى الدول الأعضاء والجهات المعنية الدولية حاليًا إلى ترجمتها عمليًا. الطريق شاقّة جدًا. وتشتمل أهداف التنمية المستدامة، مع العالمية في جوهرها، على خطة برنامجية شاملة للجميع عليها أن تضمن تحقيق كافة الأهداف والغايات لكافة الدول والأشخاص وأقسام المجتمع، مع إعطاء الأولوية لتلك الشعوب والمجتمعات الأشد تخلّفًا عن تحقيق غايات أهداف التنمية المستدامة والتي يجب تلبية احتياجاتها أولًا[ii].

 

يشكل هدف "القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان" الهدف الجوهري لهذه الخطة وهو ويتصدّر أهداف التنمية المستدامة الـ 17، ويعدّ الأول في قائمة من 169 غاية تهدف إلى القضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2030. يميل الهدف الأول، بشكل متوقع، إلى الأهداف الإجتماعية، إلا أنه يحتوي على غايات إقتصادية وبيئية أيضًا. وهو يغطي، إذا أردنا ذكر بعض المواضيع فقط، الفقر النقدي والمتعدد الأبعاد وحالات عدم المساواة في النتائج والفرص وخطط العمل اللائق والحماية الإجتماعية. وهو يتصل أيضًا ببرنامج العمل العالمي للإجراءات المتعلقة بالمناخ وبإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث.

 

وتسلّط هذه التغطية الواسعة لمختلف أبعاد التنمية المستدامة الضوء على الطبيعة "غير القابلة للتجزئة" للخطة وعلى ضرورة تحقيق تقدّم متوازن عبر كافة الأهداف، وهنا التشديد على طبيعتها المتكاملة والداعمة. يطمح المؤشر 1.4.1، على سبيل المثال، وبناءً على العمل المنهجي الذي قام به فريق الخبراء المشترك بين الوكالات المعني بمؤشرات أهداف التنمية المستدامة، إلى تعقُّب "وصول الجميع إلى الخدمات الأساسية"، وبشكل خاص للفقراء والمستضعفين[iii]. ومن المتوقع من هذا المؤشر الشامل لعدة قطاعات أن يقيّم على الأقل الإستفادة من خدمات البنية التحتية الأساسية (المياه والصرف الصحي وجمع النفايات الصلبة وإدارتها والتنقل والنقل والطاقة) ومن الخدمات الإجتماعية (التعليم والرعاية الصحية وخدمات الطوارئ والإسكان ورعاية الأطفال والخدمات للمسنين ولمجموعات أخرى ذات إحتياجات خاصة) والخدمات الحياتية الجيدة (السلامة العامة والتخطيط المدني والثقافة والترفيه والرياضة والمساحات العامة)!

 

يعني مبدأ الوصول أولًا إلى من هم أشد تخلفًا عن الركب، على وجه التحديد، أن جهود التنمية يجب أن تركّز على أكثر الفقراء فقرًا والذين يعانون في غالبية الأحيان من حالات تتقاطع مع عدم المساواة ومن حالات حرمان متعددة[iv].

 

الهدف الأول هو استهداف عمق[v] الفقر واتساعه ولاحقًا رصد إلى أي حد كانت سياسات النمو والحد من الفقر المتعدد الأبعاد مناصرة للفقراء وبشكل أهم، مناصرة للأكثر فقرًا. ويستند ذلك إلى أن الحد الأدنى العالمي للإستهلاك – معدّل الإستهلاك للشريحة الأكثر فقرًا – لم يتغيّر كثيرًا على مرّ العقود الثلاثة المنصرمة، على الرغم من وجود بعض التقدّم المحرز في تخفيض عدد الفقراء الذين يعيشون بالقرب من الحد الأدنى؛ ومن الإثباتات الواسعة الإنتشار على أن تقدّم الأكثر فقرًا وفقًا للأبعاد غير النقدية للفقر والتنمية البشرية كان منخفضًا نسبيًا مقارنةً مع التقدّم الذي أحرزته تلك الشعوب في التقسيمَين الخمسيَّين الثاني والثالث لتوزيعات الدخل.

 

إن إحراز التقدّم المستدام في القضاء على الفقر وتحقيق الرخاء المشترك والتقدّم المتعدد الأبعاد[vii] يتطلب وبحسب اقتصاديي الفقر وبشكل انتقائي وخاص جدًا التركيز على الأولويات التالية: 1) معالجة مشاكل الوصول إلى البيانات بشكل عام، وبشكل أكثر أهمية سدّ الثغرات في المعلومات الناتجة عن المسوحات وذلك بهدف تحسين قياس الفقر وعدم المساواة في أبعادهما العديدة وبحسب التفصيل الذي تمّ اقتراحه في الخطة لعام 2030[viii]؛ 2) تحديد الذين يعيشون في الفقر المزمن وتصميم السياسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية الشاملة للجميع والملائمة والتي قد ترفع الحواجز أمام جهود الحدّ من الفقر؛ 3) تعميق فهمنا لديناميات الرفاه والفقر[ix] بناءً على المفهوم القائل بأن التحركات حول خطوط الفقر وعتبات الرفاه الأكثر ارتفاعًا هي ديناميكية، ومن أجل تعزيز تكيّف الشعوب الفقيرة والمستضعفة لمجابهة مصادر الهشاشة المتزايدة وتفادي تراجعها ووضعها على مسارات مستدامة للخروج من الفقر؛ و4) ضمان السلام والأمن، إذ أن القضاء على الفقر والتنمية المستدامة لا يمكن تحقيقهما في سياق النزاعات المسلحة والخسائر البشرية وتحركات السكان بسبب النزاعات.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


[i] راجع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 70/1، المقطع 4 على العنوان التالي: https://sustainabledevelopment.un.org/post2015/transformingourworld

[ii] راجع على سبيل المثال مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية، "Universality and The 2030 Agenda for Sustainable Development From A UNDG Lens"، جدول المناقشة.

[iii] يقود مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والبنك الدولي العمل المنهجي، بمساعدة استشارات من قبل منظمة الصحة العالمية واليونسيف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. راجع خطط العمل لمؤشرات المستوى الثالث، على العنوان التالي: https://unstats.un.org/unsd/statcom/48th-session/documents/BG-2017-3a-Tier-III-Work-Plans-E.pdf.

[iv] من الهام بمكان الإشارة إلى أن مبدأ "الوصول أولًا إلى من هم أشد تخلفًا عن الركب" ينطبق أولًا على كل أشكال الحرمان، على الرغم من أنني أنظر إليه بعدسة الفقر النقدي هنا. راجع، على سبيل المثال: Overseas Development Institute, 2014, Strengthening social justice to address intersecting inequalities, Report.

[v] راجع على سبيل المثال "نسبة مكافئ عدد الأشخاص" الجديدة التي اقترحها Castleman وFoster وSmith (2015) وأدخلها البنك الدولي في تقريره للرصد العالمي للعامَين 2015-2016.

Castleman, T., J. Foster, and S. C. Smith (2015) “Person-equivalent Headcount Measures of Poverty” Institute for International Economic Policy Working Paper Series 2015-10, Elliot School of International Affairs, George Washington University, Washington, DC.

World Bank (2015) Global Monitoring Report 2015/2016: Development Goals in an Era of Demographic Change (Washington, DC: The World Bank).

[vii] راجع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2016). Multidimensional progress: well-being beyond income, Human Development Report for Latin America and the Caribbean 2016.

[viii] راجع United Nations Statistical Commission Forty-eighth session, 2017, Transformative agenda for official statistics, Report of the Secretary-General, E/CN.3/2017/5 ; and Serajuddin, Umar, Hiroki Uematsu, Christina Wieser, Nobuo Yoshida, and Andrew Dabalen. 2015. “Data Deprivation: Another Deprivation to End.” Policy Research Working Paper No. 7252. World Bank, Washington, DC.

[ix] راجع، في ديناميات الفقر النقدي والرفاه، أعمال دانغ وزملائه في البنك الدولي. للفقر المتعدد الأبعاد، راجه الأعمال الحديثة لسابينا ألكير وزملائها في جامعة أكسفورد باستخدام مؤشر الفقر العالمي المتعدّد الأبعاد، الذي تمّ تطويره من قبل مبادرة أكسفورد للحد من الفقر والتنمية البشرية ومكتب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. راجع، بشكل خاص،

Alkire, S., Roche, J.M., and Vaz, A. (2017). "Changes Over Time in Multidimensional Poverty: Methodology and Results for 34 Countries", World Development, Vol. 94, pp. 232–249.Suppa, N. (2017). "Transitions in poverty and deprivations: An analysis of multidimensional

poverty dynamics." OPHI Working Paper 109, University of Oxford.

 


دوني القسطا مختص في مجال الفقر والطاقة والبيئة، يتمتع بخبرة مهنية مدتها 18 عامًا في مجال الاستشارات، والأوساط الأكاديمية ومراكز البحوث، ومنظومة الأمم المتحدة منذ عام 2011، حيث شغل العديد من المناصب والمهام خصوصًا مع لجنة للأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 


ملاحظة للقرّاء من البوابة العربية للتنمية: لمزيد من المعلومات حول المنهجية التي اعتمدها دوني القسطة، يمكنكم الاطلاع على الدراسة القادمة بعنوان "الفقر والنمو وعدم المساواة في المنطقة العربية: نظرة جديدة على ما قبل الربيع العربي وبعض التجارب الفكرية حتى العام 2030" والتي ستنشر قريبًا على البوابة العربية للتنمية حصريًا.

دوني القسطا دوني القسطا

الأكثر قراءة